الإحرام.. لباس التواضع وبداية الرحلة الإيمانية في حج 1446هـ
ضيوف الرحمن يتوافدون على مكة ومشهد الإحرام يُجسد وحدة القلوب والغايات
مع بدء توافد حجاج بيت الله الحرام إلى مكة المكرمة استعدادًا لأداء مناسك الحج، يتشكل مشهد إيماني فريد تتجلّى فيه أسمى معاني التواضع والروحانية، حيث يظهر الجميع بلباس أبيض واحد، متجردين من مظاهر الدنيا، متوحدين في النية والوجهة.
هذا المشهد هو مشهد الإحرام، أول محطة في رحلة الحج، والبوابة التي يدخل منها الحاج إلى عالم السكينة والنية الصافية لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام.
ما هو الإحرام؟
الإحرام هو نية الدخول في النسك، سواء كان حجًا أو عمرة، ويبدأ من الميقات المحدد لكل جهة. وبمجرد أن ينوي المسلم الإحرام، يدخل في حالة شرعية خاصة تتطلب الالتزام بمحظورات محددة مثل:
- الامتناع عن قص الشعر أو تقليم الأظافر
- عدم لبس المخيط للرجال
- تجنب التطيّب بعد الإحرام
- التزام السكينة وعدم الجدال
يُعد الإحرام ركنًا أساسيًا لا يصح الحج أو العمرة بدونه، وهو في جوهره إعلان نية وتجرد من الدنيا.
لباس الإحرام.. بساطة الظاهر وعظمة الباطن
يتكوّن لباس الإحرام للرجال من:
- الإزار: قطعة قماش تغطي الجزء السفلي من الجسد
- الرداء: يُلف على الجزء العلوي من الجسم
ويجب أن يكون اللباس أبيض نقيًا، خاليًا من الزخارف، مصنوعًا غالبًا من القطن لضمان الراحة تحت حرارة المشاعر.
أما المرأة، فتحرم في لباسها الشرعي المحتشم، دون تبرج أو زينة، ولا ترتدي النقاب ولا القفازين أثناء الإحرام، وفق السنة النبوية.
كيفية الدخول في الإحرام
يتبع الحاج سنة النبي ﷺ عند بدء الإحرام، وتتضمن الخطوات التالية:
- الاغتسال قبل ارتداء الإحرام
- التطيب على الجسد دون الثياب
- ارتداء الإحرام في الميقات
- نية النسك بقول: “لبيك اللهم حجًا” أو “لبيك اللهم عمرة”
- بدء التلبية بقول:
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”
هدي النبي ﷺ في الإحرام
ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ كان يبدأ الإحرام من ميقات ذي الحليفة، ويحث على الاغتسال والتطيب قبله. وقال ﷺ:
“لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا الخفاف”
وكان يُكثر من التلبية، ويأمر أصحابه بها، لما فيها من تعظيم لله وتأكيد للنية.
رمزية الإحرام.. المساواة والنية الخالصة
الإحرام ليس مجرد لباس أبيض، بل هو رمز للمساواة والتجرد من الدنيا. يقف الحجاج صفًا واحدًا، غنيهم وفقيرهم، عربيهم وعجميهم، لا فرق بينهم إلا بالتقوى. في مشهد يعكس عدالة الإسلام وروحه الجامعة.
هذا المشهد لا يُنسى، ومن ذاقه مرّة لا يملّ الحنين إليه، ومن لم يبلغه، يرفع أكف الضراعة أن يكون من أهله يومًا.