جبل الفحلتين.. شاهد صامت على درب النبي وقوافل الحجيج شمال المدينة المنورة
يُعد جبل الفحلتين أحد المعالم الطبيعية والتاريخية البارزة شمال المدينة المنورة، على الطريق المؤدي إلى العُلا، حيث يبرز بتكوينه الفريد وصخرته الشهيرة التي تُشبه قرني الفحل، ما يرجّح سبب التسمية. ويكتسب الجبل أهمية دينية وتاريخية كونه يقع على المسار الذي سلكه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وجيش المسلمين خلال غزوة تبوك في السنة التاسعة للهجرة.
موقع استراتيجي يروي ذاكرة الطريق النبوي
يقع جبل الفحلتين ضمن قرية شجوى شمال غرب المدينة المنورة، ويُحيط به سهل منبسط تحدّه مرتفعات متنوعة، ما جعله نقطة بارزة لا تُخطئها العين على طريق القوافل القديمة. وقد استُخدم كمحطة استراحة رئيسة في درب الحاج الشامي، وعرُف بأسماء محلية مثل “حصن عنتر” أو “إسطبل عنتر”، نظرًا لما يحتويه من بقايا مبانٍ يُعتقد أنها كانت تُستخدم لخدمة المسافرين وقوافل الحجيج.
توثيق تاريخي من علماء ورحالة
ذكر السمهودي في كتابه “وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى” أن الجبل يقع على مسافة يوم من المدينة، وله قناتان تحتهما صخر. كما أشار الفيروزآبادي في “المغانم المطابة في معالم طابة” إلى أن الموقع من المعالم التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم خلال طريقه إلى تبوك.
وأورد المولوي في كتابه “رحلة الشتاء والصيف” وصفًا دقيقًا للمكان، مشيرًا إلى وجود قناتين أعلى الجبل من الجهة الغربية، فيما فسّر السويدي التسمية بأنها تعود لانعزال الجبل عن العمران كالفحل الذي ينأى بنفسه بعد قرع الإبل.
معلم جيولوجي وتاريخي على ارتفاع شاهق
أوضح الدكتور فؤاد المغامسي، الباحث في التاريخ الإسلامي، أن الجبل المعروف أيضًا باسم “فيفاء الفحلتين”، يبلغ ارتفاعه نحو 1084 مترًا، ويُعد من أبرز النقاط الجغرافية التي استخدمتها القوافل التجارية والحجيج القادمين من بلاد الشام والشمال كمحطة للتزود بالماء والراحة، في ظل وعورة الطرق الصحراوية وامتداد المسافات الطويلة.
وأشار إلى أن الجبل يمثل أحد المعالم المميزة في مسار درب النبي صلى الله عليه وسلم، ويعكس البعد الجغرافي والتاريخي لأحد أهم المسارات الإسلامية التي شهدت أحداثًا مهمة في السيرة النبوية.
إرث حضاري يستحق التوثيق والتأهيل
يُشكل “جبل الفحلتين” جزءًا من الذاكرة الجغرافية للحج والتاريخ الإسلامي في منطقة المدينة المنورة، ويستحق إدراجه ضمن المبادرات الوطنية الرامية إلى توثيق وتأهيل المسارات التاريخية والدينية، خصوصًا مع تزايد الاهتمام بالوجهات السياحية المرتبطة بالسيرة النبوية.
ويُتوقع أن يكون لهذا المعلم مستقبل بارز ضمن مشاريع السياحة الثقافية والدينية في المملكة، بما يعزز من حضور المنطقة في خريطة المواقع الإسلامية ذات الأهمية التاريخية.