تشرنوبل.. الكارثة التي حوّلت مدينة نابضة إلى أطلال صامتة

في قلب مدينة بريبيات الأوكرانية، حيث كانت الحياة تسير بوتيرة اعتيادية في ظل الحقبة السوفييتية، تغيّر كل شيء في لحظة مفزعة. ففي ليلة السادس والعشرين من أبريل عام 1986، تحوّلت المدينة من حاضرة تعج بالحياة إلى مدينة أشباح، بعد وقوع أكبر كارثة نووية في التاريخ المعاصر: كارثة تشرنوبل.


يوم انفجر فيه الموت

بدأ اليوم بشكل طبيعي في مفاعل تشرنوبل النووي، حيث كان العاملون يستعدون لتنفيذ اختبار سلامة روتيني، يهدف إلى محاكاة انقطاع مفاجئ للتيار الكهربائي. لكن ما لم يكن في الحسبان، أن خطأ فني بسيط في توقيت إغلاق توربينات المياه المستخدمة في تبريد قضبان اليورانيوم، أدى إلى كارثة نووية غيّرت وجه أوروبا.

ارتفعت درجة حرارة قلب المفاعل الرابع بسرعة مرعبة، وتسببت موجة انفجار كيميائي في إطلاق أكثر من 520 نويدة مشعة في الهواء، لتنتشر سحب الموت فوق أوكرانيا وروسيا وروسيا البيضاء.


محاولات فاشلة لاحتواء الكارثة

رغم محاولات فريق العمل إغلاق المفاعل عبر إسقاط أعمدة الجرافيت، فإن ارتفاع درجة الحرارة الناتج عن الخلل الفني تسبّب في اعوجاج الأعمدة، ما أدى إلى عجزها عن الوصول لقلب المفاعل، واشتعلت الغازات المتسربة لتُطلق شرارة الدمار النووي.


تعتيم إعلامي وتأخر في الإعلان

لم تُصدر السلطات السوفييتية أي بيان رسمي عن الحادث إلا بعد مرور ثلاثة أيام. وبينما كانت الفرق تحاول احتواء الحريق والتسرب الإشعاعي، كانت السويد أول من كشف للعالم عن الكارثة من خلال مراقبتها لارتفاع مستويات الإشعاع.

لاحقاً، تم تغليف المفاعل بالخرسانة المسلحة في محاولة لعزل الإشعاع، لكن الضرر كان قد وقع بالفعل.


أرقام مفزعة.. وموت صامت

  • 31 شخصًا لقوا حتفهم فورًا نتيجة الانفجار.
  • 600 ألف عامل في عمليات الإطفاء والتنظيف تعرضوا لإشعاعات عالية.
  • 8.4 مليون شخص تأثروا بالإشعاع في روسيا، أوكرانيا، وروسيا البيضاء.
  • 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضي تعرضت للتلوث الإشعاعي.
  • 404 آلاف شخص تم إجلاؤهم، معظمهم من بريبيات.

وتحوّلت بريبيات من مدينة نابضة بالحياة إلى منطقة محظورة، مهجورة، تقف فيها الأبنية شاهدة على مأساة لا تُنسى.


آثار ممتدة.. وتاريخ لا يُمحى

ما تزال بقايا الإشعاع النووي قائمة حتى اليوم، تواصل تأثيرها في البيئة والإنسان، مسببة أمراضًا مميتة، أبرزها سرطان الغدة الدرقية، خاصة بين من عاشوا بالقرب من المفاعل أو شاركوا في جهود التنظيف.

تحوّلت تشرنوبل إلى رمز عالمي للخطر النووي، ودعوة مفتوحة لإعادة النظر في الطاقة النووية واستخدامها، خاصة حين تكون السلامة ضحية للإهمال أو الغطرسة التقنية.

إعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *