“دراما العشوائيات”.. بين الإثارة الجماهيرية وتشويه الواقع الاجتماعي

مع بداية الموسم الرمضاني، تصدرت المسلسلات ذات الطابع الشعبي المشهد الفني مجددًا، فيما بات يُعرف بـ**”دراما العشوائيات”**، وهي الأعمال التي تعتمد على الصراعات الحادة، والعنف المفرط، والبلطجة كعناصر رئيسية في حبكاتها الدرامية.
ورغم أن هذه النوعية من المسلسلات تحظى بشعبية كبيرة ونسب مشاهدة مرتفعة، إلا أنها تثير جدلًا واسعًا حول مدى واقعيتها وتأثيرها على المجتمع، خاصة مع تركيزها على الجانب السلبي من الأحياء الفقيرة، وتصويرها كمناطق تسودها الفوضى والجريمة.
هل الدراما الشعبية انعكاس للواقع أم تشويه له؟
مصطفى حمدي: الدراما الشعبية الحقيقية شيء و”دراما العشوائيات” شيء آخر
يرى الناقد الفني مصطفى حمدي أن هناك خلطًا واضحًا بين الدراما الشعبية الحقيقية التي تعكس الحياة اليومية لسكان الأحياء الفقيرة، وبين تلك الأعمال التي تقدم صورة نمطية مشوهة تجعل من هذه الأحياء مرتعًا للبلطجة وتجارة المخدرات.
وأضاف أن العديد من المسلسلات الشعبية الحديثة أصبحت تعتمد على حبكة البحث عن مفقود، كما هو الحال في مسلسل “سيد الناس”، الذي يراه نسخة جديدة من “جعفر العمدة”، لكنه يأتي بجرعة أعلى من الإثارة المفتعلة والصراعات غير المبررة.
طارق الشناوي: الجريمة ليست صناعة درامية
من جانبه، يرى الناقد طارق الشناوي أن تحميل الدراما مسؤولية انتشار العنف أو تعزيز الجريمة في المجتمع هو أمر مبالغ فيه، مشيرًا إلى أن الجريمة كانت موجودة قبل الدراما وستظل موجودة بعدها.
وأشار إلى أنه رغم انتشار بعض الأعمال المبتذلة التي تعتمد على التشويق المبالغ فيه، إلا أن هناك مسلسلات شعبية ذات جودة عالية تُعرض حاليًا، مثل “ولاد الشمس” و**”80 باكو”**، والتي تقدم محتوى متزنًا دون اللجوء إلى الابتذال أو العنف المفرط.
تطور “البطل العشوائي” بعد 2011.. هل أصبح نموذجًا مستهلكًا؟
يشير النقاد إلى أن الجدل حول دراما العشوائيات بدأ في مرحلة ما بعد 2011، حيث ظهر نموذج “البطل الشعبي الخارج عن القانون”، الذي يتم تصويره على أنه ضحية الظروف الاجتماعية، مما جعله أيقونة درامية متكررة تُعاد صياغتها كل عام بطرق مختلفة.
ومع تكرار هذا النمط الدرامي، يرى بعض النقاد أن هذه الأعمال أصبحت مستهلكة ومتشابهة، حيث تطرح القصة ذاتها بطريقة عشوائية، مما يعزز صورة سلبية عن الحي الشعبي بدلًا من تقديم رؤية أعمق وأكثر واقعية لحياة سكانه.
السؤال المطروح.. واقع اجتماعي أم استثمار تجاري؟
يبقى السؤال: هل تعكس هذه المسلسلات واقعًا اجتماعيًا حقيقيًا، أم أنها مجرد استثمار تجاري يعتمد على تكرار الإثارة والعنف لضمان نسب المشاهدة؟
بين رأي يؤكد أن الدراما تعكس مشكلات المجتمع، وآخر يرى أنها تصنع صورة مشوهة عن الفقراء والعشوائيات، يستمر الجدل حول حدود المسؤولية الفنية، ومدى قدرة الدراما الشعبية على تحقيق التوازن بين الواقع والإبداع دون الانجراف نحو الإثارة التجارية.